جزرغوادلوب: جنة الكاريبي البركانية بلمسة فرنسية
غوادلوب (Guadeloupe)، هذه المجموعة الساحرة من الجزر في جزر الأنتيل الصغرى في البحر الكاريبي، هي قطعة من فرنسا الاستوائية التي تمزج بين الشواطئ الرملية البيضاء، الغابات المطيرة المورقة، البراكين النشطة، والثقافة الكريولية النابضة بالحياة.
![]() |
جزر غوادلوب |
تشتهر بكونها "جزيرة الفراشة" بسبب شكلها المميز، وتنوعها البيولوجي الغني، ومأكولاتها الشهية التي تجمع بين النكهات الأفريقية، الأوروبية، والكاريبية. غوادلوب ليست مجرد وجهة استوائية؛ إنها تجربة ثقافية وطبيعية غنية ومتعددة الأوجه.
نبذة تاريخية:
يعود تاريخ غوادلوب إلى آلاف السنين قبل وصول الأوروبيين، حيث كانت موطنًا لشعوب الكاريبي (Kalinago) والأراواك (Arawak).
وصل كريستوفر كولومبوس إلى الجزر عام 1493 وادعى ملكيتها لإسبانيا، لكن الإسبان لم يستقروا فيها.
في عام 1635، استعمرها الفرنسيون، وبدأت زراعة قصب السكر على نطاق واسع، مما أدى إلى جلب أعداد كبيرة من العبيد الأفارقة.
![]() |
جزر غوادلوب |
شهدت الجزر صراعات متكررة بين الفرنسيين والبريطانيين للسيطرة عليها، وتبادلت الأيدي عدة مرات قبل أن تستقر أخيرًا تحت الحكم الفرنسي في عام 1815. ألغيت العبودية بشكل نهائي في عام 1848.
في عام 1946، أصبحت غوادلوب مقاطعة فرنسية ما وراء البحار (Département d'outre-mer)، مما يمنحها نفس الوضع القانوني لمقاطعات فرنسا الأوروبية. هذا التاريخ المعقد هو ما شكل هويتها الكريولية الفريدة.
الموقع والمساحة:
تقع غوادلوب في جزر الأنتيل الصغرى في شرق البحر الكاريبي. تتكون بشكل أساسي من جزيرتين رئيسيتين: باس تير (Basse-Terre) في الغرب، وهي جبلية وبركانية ومغطاة بالغابات المطيرة، وغراند تير (Grande-Terre) في الشرق، وهي منخفضة وتتكون من سهول وشواطئ رملية.
![]() |
جزر غوادلوب |
يفصل بينهما ممر بحري ضيق يُعرف باسم "ريفيير ساليه" (Rivière Salée). بالإضافة إلى هاتين الجزيرتين، تضم غوادلوب جزرًا أصغر تابعة لها مثل ماري-غالانت (Marie-Galante)، لا ديزيراد (La Désirade)، ولي سانت (Les Saintes). تبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 1,628 كيلومترًا مربعًا.
السكان:
يبلغ عدد سكان غوادلوب حوالي 380,000 نسمة (حسب إحصائيات 2024 التقديرية). يتكون غالبية السكان من أصول أفريقية كريولية، مع أقليات من الفرنسيين الأوروبيين، الهنود الشرقيين، والآسيويين.
اللغة الرسمية هي الفرنسية، ولكن اللغة الكريولية الغوادلوبية (Guadeloupean Creole) منتشرة على نطاق واسع.
نظام الحكم:
غوادلوب هي مقاطعة ومنطقة فرنسية ما وراء البحار (Département et région d'outre-mer - DROM). هذا يعني أنها تُعد جزءًا لا يتجزأ من الجمهورية الفرنسية، وتتبع نفس القوانين والإدارة المطبقة في فرنسا الأوروبية.
![]() |
علم غوادلوب |
يُدير شؤونها مجلس المقاطعة (Conseil Départemental) والمجلس الإقليمي (Conseil Régional) المنتخبان، بالإضافة إلى ممثل عن الدولة الفرنسية (المحافظ). يشارك سكان غوادلوب في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الفرنسية.
المدن الرئيسية:
إلى جانب العاصمة، تضم غوادلوب مدنًا رئيسية أخرى ذات أهمية:
![]() |
لي أبي |
لي أبي (Les Abymes):
أكبر بلدية في غوادلوب من حيث عدد السكان، وهي مدينة حديثة تقع في منطقة غراند تير.
سانت آن (Sainte-Anne):
مدينة ساحلية شهيرة في غراند تير، تُعرف بشواطئها الجميلة وأسواقها المحلية.
سان-فرانسوا (Saint-François):
مدينة سياحية أخرى في الطرف الشرقي لغراند تير، وتشتهر بمنتجعاتها وشواطئها.
بوانت نوار (Pointe-Noire):
مدينة صغيرة على الساحل الغربي لباس تير، تُعرف بشواطئها وغاباتها.
العاصمة ونبذة عنها: باس تير
باس تير (Basse-Terre) هي العاصمة الإدارية لغوادلوب، ومدينة تاريخية تقع على الجزيرة التي تحمل نفس الاسم.
![]() |
باس تير |
الموقع:
تقع باس تير على الساحل الجنوبي الغربي لجزيرة باس تير، عند سفح بركان "لا سوفريير".
التاريخ:
تتميز باس تير بتاريخ غني كواحدة من أقدم المستوطنات الفرنسية في المنطقة. كانت مركزًا إداريًا وتجاريًا مهمًا، وشهدت العديد من الأحداث التاريخية، بما في ذلك الثورات والاستحواذات البريطانية المؤقتة.
الثقافة والتراث:
تشتهر باس تير بـ كاتدرائية نوتردام دو غوادلوب (Cathédrale Notre-Dame de Guadeloupe)، وقلعتها التاريخية "فورت ديلغريس" (Fort Delgrès) التي توفر إطلالات بانورامية على المدينة والبحر. تتميز المدينة أيضًا بهندستها المعمارية الكريولية التقليدية وحدائقها النباتية.
الجانب العصري:
باس تير اليوم هي مركز إداري هادئ، يختلف عن حيوية بوانت-آ-بيتر التجارية، لكنها تحتفظ بسحرها التاريخي وتُعد بوابة لاستكشاف الجمال الطبيعي لجزيرة باس تير.
الأكلات الشعبية:
المطبخ الغوادلوبي هو مزيج لذيذ من النكهات الأفريقية، الفرنسية، والهندية، ويتميز باستخدامه الفاكهة الطازجة، المأكولات البحرية، والتوابل:
![]() |
اقراص دو مور |
أكراس دو مور (Accras de Morue):
كعك مقلي مالح مصنوع من سمك القد.
بودن كاريبيان (Boudin Créole):
نقانق دم حارة.
كولومبو دي دجاج (Colombo de Poulet):
طبق دجاج بالكاري المستوحى من المطبخ الهندي، ويُعد طبقًا وطنيًا.
بوكيت (Bokit):
شطيرة مقلية تُقدم مع حشوات متنوعة.
كريب دو بيسون (Crabe farci):
سلطعون محشي ومخبوز.
فيروك (Ouassous):
نوع من الجمبري النهري الكبير، يُعد طبقًا شهيًا.
الفواكه الاستوائية:
الموز، الأناناس، المانجو، البابايا، والفواكه العاطفية تُستخدم بكثرة في العصائر والحلويات.
روم الزراعي (Rhum Agricole):
روم عالي الجودة يُصنع مباشرة من عصير قصب السكر، وليس من دبس السكر، وهو مشروب الجزيرة الأكثر شهرة.
الأماكن السياحية:
تقدم غوادلوب مجموعة واسعة من الأماكن السياحية التي تناسب محبي الطبيعة، المغامرة، والشواطئ:
![]() |
بركان لا سوفريير |
الحديقة الوطنية لغوادلوب (Parc National de la Guadeloupe):
تغطي جزءًا كبيرًا من جزيرة باس تير، وتُعد موطنًا لبركان لا سوفريير (La Soufrière) النشط (ولكن الخامد حاليًا) الذي يمكن تسلقه، وشلالات كارفيه (Chutes du Carbet) المذهلة.
شواطئ غوادلوب:
شاطئ غراند آنس (Plage de Grande Anse): واحد من أجمل الشواطئ على باس تير، برماله الذهبية ومياهه الهادئة.
شاطئ مالبندير (Plage de Malendure): معروف بـ "محمية كوستو" (Réserve Cousteau)، وهي منطقة محمية مثالية للغطس والغوص.
شواطئ ماري-غالانت ولي سانت: تتميز بجمالها الطبيعي ورمالها البيضاء.
جزر لي سانت (Les Saintes):
مجموعة جزر صغيرة وخلابة، تشتهر بخلجانها الجميلة، قواربها الملونة، وحصن نابليون التاريخي.
ماري-غالانت (Marie-Galante):
جزيرة هادئة تُعرف بـ "جزيرة المئة طاحونة" ومصانع الروم القديمة.
حديقة حيوان وغابة غوادلوب (Parc des Mamelles / Zoo de Guadeloupe):
حديقة حيوان وغابة استوائية تقدم مسارات للمشي بين الأشجار ومشاهدة الحياة البرية المحلية.
متحف قصب السكر (Musée du Rhum):
للتعرف على تاريخ صناعة الروم وتذوقه.
بوانت دي شاتو (Pointe des Châteaux):
نتوء صخري مذهل في الطرف الشرقي لغراند تير، يوفر مناظر بانورامية على المحيط.
العملة المتداولة:
العملة المتداولة في غوادلوب، كما هو الحال في جميع الأراضي الفرنسية، هي اليورو (€).
![]() |
اليورو |
غوادلوب هي وجهة كاريبي فريدة، تمزج بين جمال الطبيعة الاستوائية، غنى الثقافة الكريولية، وسهولة الوصول التي توفرها كونها جزءًا من فرنسا. إنها تقدم تجربة لا تُنسى، سواء كنت تبحث عن المغامرة في الطبيعة، الاسترخاء على الشاطئ، أو الانغماس في نكهات وموسيقى الكاريبي.
.......................