تجربة كالهون وتحول ألجنة ألى جحيم تجربة كالهون هي من أغرب ألتجارب ألعلمية ألتي حدثت في تلك ألحقبة في ألعالم ، وكانت تتلخص حول ألفئران ، وهل يمكن للحيوانات ألعيش في رفاهية مطلقة بدون أعداء ، هذا ما قام به عالم ألسلوكيات ألامريكي جون بومباس كالهون في تجربته،
من هو كالهون :( 1917- 1995 )
أسمه جون بومباس كالهون ولد في مدينة أليكتون في ولاية تينيسي بألولايات المتحدة ألامريكية في 11 مايو 1917م ، هو عالم سلوك حيواني وباحث سلوك أمريكي ، كانت دراساته حول ألكثافة ألسكانية وأثرها على ألسلوك ألانساني ،
بداية تجارب كالهون:
في ستينيات ألقرن ألماضي قام ألعالم كالهون بتجربة علمية على ألفئران سميت بتجربة كالهون أو ألحوض السلوكي أو ألكون 25، يريد ألتوصل الى نتيجة ماذا سيحصل للحيوانات أذا تم وضعها في بيئة خالية من ألاعداء ومتوفر بها كافة ألشروط ، للعيش ألرغيد وألطعام ألوفير ، وألسكن ألنظيف ، وعدم ألخوف مما حولهم ،أي أنه وفر لهم رفاهية مطلقة ،
بين أعوام 1958 و 1970م ، أجرى عالم ألسلوك كالهون دراسة سلوكية على فئران وضعها داخل حاوية في منطقة ريفية في بولسفيل بولاية ميريلاند ، وقام ألعالم بتوفير مكان واسع للفئران وزوده بألمأكل وألمشرب على طول ألوقت ، مع توفير وسائل ألحماية من ألاعداء ،
في ألبداية وضع أربع أزواج من ألفئران ألبنية ، وسرعان ما بدأوا في ألتكاثر ، وبدأت أعداد ألفئران بألتكاثر ، ووصل عدد ألفئران الى2200 فأر وبان واضحآ ألاكتظاظ بيتهم ، ومع مرور ألوقت وبعد 315 يوم ، بدأت خصوبة ألفئران في ألانخفاض ، وبدأت أعداد ألفئران تقل حتى وصلت الى 600 فأر فقط ،
هنا بدأت تظهر بين ألفئران سلوك ألتسلسل ألهرمي وألميل للعزلة وألكآبة ، كذلك لاحظ ألعالم كالهون بأن هناك تغيرات نفسية بدأت تظهر عند ذكور ألفئران ، حيث بدأت ألفئران ألكبيرة بمهاجمة باقي ألمجموعة ، وتخلت ألاناث عن دورهن في حماية صغارهن وعى ألعكس بدأوا بمهاجمة صغارهم ،
مع مرور ألوقت وصل معدل ألوفيات بين ألصغار الى نسبة 96% ، وأنخفض معدل ألانجاب ، وظهرت ألمثلية ألجنسية بين ذكور ألفئران ، وأكل ألفئران لحوم بعضهم على ألرغم من توفر ألطعام بكميات كافية ،
آخر مولود في هذه ألتجربة كان بعد مرورعامين من بدايتها ، وفي عام 1972م لم يتبقى منهم شيء وماتت جميع ألفئران ،
دراسات كالهون ألمبكرة:
بدأ كالهون تجاربه ودراساته المبكرة على القوارض عام 1947، عندما درس مجموعة محتجزة من الجرذان النرويجية في حظيرة في روكفيل بولاية ميريلاند.
وعندما بدأ كالهون يقدّم لها كميّات غير محدودة من الطعام والماء، كان يتوقع أن تتضخم أعدادها لتصل إلى نحو 5 آلاف خلال مدة التجربة البالغة 28 شهراً. إلا أن العدد الأقصى الذي وصلت إليه لم يتجاوز المئتين بعد تقسيمها إلى مجموعات يتألف كلٌّ منها من اثني عشر جرذاً فقط.
استمرت هذه الدراسات خلال خمسينات القرن الماضي، وأنشأ كالهون حاوية أكثر تعقيداً لدراسة سلوك مجموعات أخرى من القوارض في بيئة معقمة وخالية من الحيوانات المفترسة. فكانت الحوادث تجري بالتسلسل نفسه في كل مرة خلال تلك التجارب:
تلتقي الفئران وتتزاوج وتتكاثر بأعداد كبيرة، ويحدث في نهاية المطاف شكل من أشكال الاستقرار في الأعداد.
بعد ذلك، تتخذ القوارض سلوكيات عدوانية منغلقة أو سلبية ومعادية للمجتمع. وتبدأ الأعداد في التراجع حتى تصل إلى الانقراض.
الكثافة ألسكانية وعلم الأمراض ألاجتماعية:
وفي عام 1962، نشرت مجلة "ساينتفيك أميريكان Scientific American " الملاحظات التي توصّل إليها العلم جون كالهون من خلال أبحاثه في مقالة بعنوان "الكثافة السكانية وعلم الأمراض الاجتماعية"، حيث ابتكر مصطلح "الانحطاط السلوكي" لوصف نتائج الاكتظاظ السكاني - أي تعطّل الوظائف الاجتماعية وانهيار السكان - في بيئة القوارض المغلقة.
واعتبر الكثيرون المقالة بمثابة تحذير لما يمكن أن يحدث للجنس البشري إذا استمر عدد السكان في الارتفاع بالمعدل الحالي، لا سيما أنه صدر في الوقت الذي أدى فيه التوسع الحضري الهائل إلى تدفق أعداد متزايدة من متخرّجي الجامعات إلى المدن الكبرى بحثاً عن فرص العمل.
كانت تجربة كالهون البحثية النهائية توسعةً لدراساته السابقة. ففي "الكون 25"، سينمو عدد الفئران داخل حاوية مساحتها 2.7 متر مربع تتكون من أربع حظائر، و256 مقصورة للمعيشة و16 جحراً تؤدي إلى موارد الطعام والمياه.
وسوف تستمتع الفئران بجميع الكماليات التي تكافئ الحياة البشرية الحديثة في بيئة خالية من الأوبئة، مع وفرة وسائل الراحة وغياب المفترسين، بالإضافة إلى إمدادات غير محدودة من الغذاء. فبدأ كالهون التجربة بأربعة أزواج من الفئران التي تتمتع بصحة جيدة تُركت حُرّة في الحاوية لبدء المجتمع الجديد.
تكيّفت الفئران مع محيطها الجديد خلال الأيام الـ 104 الأولى، وهي المرحلة التي أطلق عليها كالهون اسم "فترة السعي"، حيث حددت مناطقها وبدأت في التعشيش. أعقب ذلك "فترة الاستغلال"، والتي شهدت تضاعف عدد الفئران كل 55 يوماً. وبحلول اليوم الـ 315، أصبح الكون 25 يحوي 620 فأراً.
على الرغم من وفرة المساحة في الحاوية - إذ يمكن أن تستوعب كل مقصورة ما يصل إلى 15 فأراً، وتبلغ سعتها الإجمالية 3 آلاف - إلا أن معظم الفئران كانت تتزاحم في مناطق محدودة وتأكل من مصادر الطعام نفسها. فاتضح أن عملية الأكل تُعتبر نشاطاً اجتماعياً، ما دفع معظم الفئران إلى تفضيل السكن في عدد قليل من المقصورات.
لكن ذلك التجمّع والازدحام أدى إلى تراجع التزاوج، وسرعان ما انخفض معدل المواليد إلى ثلث مستواه السابق. كما حدث خلل اجتماعي بين الفئران، كان ثلث الفئران مُهيمناً اجتماعياً. وتبين أن الثلثين الآخرين كان لديها مهارات اجتماعية أقل من أسلافها. مع تراجع مهارات الترابط بين الفئران، دخل الكون 25 في مرحلة تدهور بطيء لا يمكن عكس مسارها.
ألمكانة الاجتماعية في الكون 25:
بحلول اليوم 315، أصبحت التفاوتات السلوكية بين الذكور ذوي المكانة العالية وذوي المكانة المتدنية أكثر وضوحاً. حيث وجد أولئك الذين كانوا في أسفل الترتيب الاجتماعي أنفسهم مرفوضين من الإناث، فانسحبوا من عملية التزاوج تماماً.
وبما أنه لم يكن لدى هؤلاء الذكور المنبوذين دور يتعين عليهم القيام به في مجتمع الفئران، ابتعدوا عن المجموعات الكبيرة وأخذوا يأكلون وينامون بمفردهم، وأحياناً يتقاتلون في ما بينهم.
وفي المقابل، أصبح الذكور المهيمنون أكثر عدوانية وشراسة، وغالباً ما كانوا يندفعون للعنف دون أي استفزاز أو دافع واضح. وكان هؤلاء الذكور في بعض الأحيان يتجولون ويغتصبون الفئران الأخرى بصورة عشوائية بغض النظر عن جنسها.
أما الذكور التابعون - أي الذين صُنفوا بين الذكور المهيمنين العدوانيين والذكور الخاضعين المنبوذين - فأصبحوا جبناء وخاملين، وغالباً ما انتهى بهم الأمر إلى أن يكونوا متلقين سلبيين للعنف. وفي كثير من الأحيان، كانت تحدث حمامات دم تنتهي بأكل المنتصرين لأبناء جنسهم.
ومع تخلي الفئران الذكور عن أدوارها التقليدية في الكون 25، تُركت مهمة الدفاع عن الأعشاش للإناث، وهكذا تبنّت العديد من الإناث أنماطاً سلوكية أكثر عدوانية كانت تتحول أحياناً إلى عنفٍ تجاه صغارهن. كما كانت بعض الإناث يمتنعن عن أداء واجبات الأمومة تماماً، فيتخلين عن صغارهن وينسحبن من عملية التزاوج، الأمر الذي تسبب في عواقب وخيمة أهمها :
1- تجاوز معدل وفيات الفئران الرضّع في بعض المقصورات الى 90 في المئة.
2- أطلق كالهون على تلك ألمرحلة اسم "مرحلة الركود" والتي تُعرف أيضاً باسم "فترة التوازن".
3- عزا كالهون الأنماط السلوكية العدوانية والسلبية بصورة مُفرطة أدى إلى انهيار الأدوار الاجتماعية،
ارتفاع كبير في معدّل الوفيات:
بحلول اليوم 560، توقفت الزيادة السكانية تماماً حيث كان معدل وفيات المواليد يحوم عند مئة في المئة. فكان هذا يمثّل بداية "مرحلة الموت" - المعروفة أيضاً باسم "فترة الموت" - حيث بدأت جنة القوارض تنزلق نحو الانقراض.
ووسط هذا العنف والعدوانية والعزوف عن التزاوج، وصل جيل أصغر من الفئران إلى مرحلة النضج دون أن يتعرف أبداً على العلاقات الطبيعية والصحية. ومع غياب مفاهيم التزاوج والأبوة وتحديد مناطق السيطرة، أمضى هذا الجيل من الفئران كل ساعات استيقاظهم في الأكل والشرب والعناية بأنفسهم.
أطلق كالهون على هذه الفئران اسم "الجميلين"، في إشارة إلى مظهرهم المثالي ووبرهم المهندم. وبما أنهم كانوا يعيشون منعزلين عن بقية الفئران، نجا الجميلون من العنف والصراعات التي اندلعت في المناطق المزدحمة، ومع ذلك لم يقدموا أي مساهمات اجتماعية.
وبحسب كالهون، كانت مرحلة الموت تتكون من مرحلتين: "الموت الأول" و"الموت الثاني". حيث تتصف مرحلة "الموت الأول" بفقدان أي هدف في الحياة يتجاوز مجرد الوجود فيها: أي انعدام الرغبة في التزاوج أو تربية الصغار أو أداء دور داخل المجتمع. ويمثّل هذه المرحلة الحياة الكسولة لـ "الجميلين"، في حين أن مرحلة الموت الثاني اتصفت بنهاية الحياة فعلياً وانقراض الكون 25.
نهاية تجربة الكون 25:
قال كالهون في وقت لاحق شارحاً ملاحظاته عن "الجميلين" إن الفئران، مثل البشر، تزدهر من خلال الشعور بالهوية والهدف في عالمها. وقال إن تجارب مثل الضغط والتوتر والقلق والحاجة إلى البقاء تجعل الانخراط في المجتمع أمراً ضرورياً.
أما عند تلبية جميع الاحتياجات وعدم وجود الصراع، فيتجرّد فعل الحياة من كلّ معنى ويتحوّل إلى الحاجات الفيزيولوجية الأساسية من الأكل والنوم.
وبالتدريج، أصبح عدد الفئران التي ترفض التزاوج أو الانخراط في المجتمع يفوق عدد الفئران التي شكّلت العصابات واغتصبت ونهبت وحصلت على غذائها بنفسها. وحدث آخر حمل معروف في الكون 25 في اليوم 920، حيث بلغ عدد السكان ذروته عند 2200 فأر، وهو أقل بكثير من سعة الحاوية التي تبلغ 3 آلاف.
ومع أنه كان هناك إمدادات لا حصر لها من الغذاء والماء والموارد الأخرى للفئران، إلا أن هذا لم يكن مهماً. فقد بدأ "الانحطاط السلوكي"، وأصبح من المستحيل إيقاف الكون 25 من المضي نحو مصيره المحتوم. وبعد مدة وجيزة، لم يتبق أي فأر حي في الحاوية.
وفي نهاية ألمقال نقول أنه ظهر عليهم نفس أعراض ألضغط النفسي، العزلة، العدائية، الانحراف الجنسي، الفشل الأبوي، والعنف المتزايد الذي نراه اليوم لدى ألبشر في المدن الكبرى.
ونختم بالآيه الكريمه بعد بسم الله الرحمن الرحيم : ( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوّا فى الارض..) ...
......................