أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

منحوتات جبل راشمور: أيقونة أمريكية في قلب داكوتا الجنوبية

منحوتات جبل راشمور

تُعد منحوتات جبل راشمور (Mount Rushmore National Memorial) في ولاية داكوتا الجنوبية الأمريكية، واحدة من أكثر المعالم الأثرية شهرة وإثارة للإعجاب في الولايات المتحدة وحول العالم. 



ليست مجرد منحوتات حجرية، بل هي رمز عظيم للديمقراطية الأمريكية، والحرية، والتاريخ، وتكريم لأربعة من أبرز رؤساء الولايات المتحدة الذين شكلوا مسار الأمة.

الموقع والنشأة:

يقع نصب جبل راشمور التذكاري الوطني في تلال بلاك هيلز (Black Hills) الخلابة في ولاية داكوتا الجنوبية. هذه الجبال ذات المناظر الطبيعية الساحرة، التي تُعد مقدسة لدى قبائل لاكوتا سيو، احتضنت هذا المشروع الفني والهندسي الضخم.



جاءت فكرة إنشاء منحوتة كبيرة في تلال بلاك هيلز في الأصل من المؤرخ دوين روبنسون (Doane Robinson) في عام 1923.

 كان هدفه جذب السياح إلى الولاية. اقترح روبنسون في البداية نحت شخصيات من الغرب الأمريكي مثل لويس وكلارك وبوفالو بيل كودي. 

ومع ذلك، عندما التقى بالنحات غوتزون بورغلوم (Gutzon Borglum) في عام 1924، أقنعه بورغلوم بأن النحت يجب أن يكون أكثر شمولية وتمثيلية للتاريخ الأمريكي.

 وافق بورغلوم على المشروع، واقترح نحت وجوه أربعة رؤساء أمريكيين يمثلون تاريخ الأمة.

اختيار الرؤساء الأربعة:

وقع اختيار غوتزون بورغلوم على أربعة رؤساء بعينهم، يمثل كل منهم مرحلة مهمة وفكرة محورية في تاريخ الولايات المتحدة:



  1. جورج واشنطن (George Washington): أول رئيس للولايات المتحدة. يرمز إلى ولادة الأمة الأمريكية وتأسيس الديمقراطية. وجهه هو الأول الذي تم البدء بنحته، ويمثل البداية.
  2. توماس جيفرسون (Thomas Jefferson): ثالث رئيس للولايات المتحدة. يرمز إلى نمو الأمة وتوسعها، وخاصة من خلال صفقة شراء لويزيانا التي ضاعفت حجم البلاد تقريبًا. كما يمثل الفكر الديمقراطي والمبادئ التي تأسست عليها الأمة.
  3. ثيودور روزفلت (Theodore Roosevelt): الرئيس السادس والعشرون للولايات المتحدة. يرمز إلى تنمية الأمة ودورها المتزايد في العالم. كان روزفلت معروفًا بجهوده في حماية البيئة والتوسع الاقتصادي، وتمثل فترة ولايته فترة من التغيير الصناعي والنمو.
  4. أبراهام لينكولن (Abraham Lincoln): الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة. يرمز إلى الحفاظ على الأمة في مواجهة الانقسام والحرب الأهلية. يجسد لينكولن قيم الوحدة والمساواة، وإلغاء العبودية، ويعتبر رمزًا للصمود في أوقات الشدة.

عملية النحت الصعبة:

بدأ العمل في جبل راشمور في عام 1927 واستمر لمدة 14 عامًا، حيث انتهى في عام 1941. كانت عملية النحت مهمة هندسية وفنية هائلة، وتطلبت تكنولوجيا متقدمة في ذلك الوقت، وشجاعة لا حدود لها من العمال.



  • التقنية: استخدم النحاتون مزيجًا من الديناميت لإزالة كتل كبيرة من الجرانيت، تلتها عمليات حفر دقيقة وصقل بالهواء المضغوط والمطارق اليدوية لتشكيل التفاصيل الدقيقة للوجوه. تم استخدام نظام "مؤشر" (pointer system) يسمى "الطاولة الموجهة" (pointing machine) لضمان الدقة في نقل أبعاد النحت من نموذج مصغر إلى الجبل الكبير.

  • العمال: عمل مئات العمال، بما في ذلك عمال المناجم والنحاتون، في ظروف خطرة للغاية، حيث كانوا معلقين بحبال وأسلاك على ارتفاعات شاهقة. على الرغم من المخاطر الكبيرة، لم تسجل أي وفيات بين العمال أثناء المشروع، وهو إنجاز مذهل بحد ذاته.

  • الإشراف: أشرف غوتزون بورغلوم على المشروع حتى وفاته في عام 1941. بعد وفاته، تولى ابنه، لينكولن بورغلوم (Lincoln Borglum)، إكمال العمل، على الرغم من أن التمويل قد تقلص بسبب الحرب العالمية الثانية، مما أدى إلى الانتهاء من الوجوه فقط دون بقية الجذوع كما كان متوقعًا في التصميم الأصلي.

الأهمية الثقافية والسياحية:



يُعد جبل راشمور اليوم وجهة سياحية رئيسية، حيث يزوره ملايين الأشخاص سنويًا. يوفر الموقع مركزًا للزوار ومتحفًا يقدم معلومات مفصلة عن تاريخ النحت وعملية بنائه، بالإضافة إلى عروض توضيحية وبرامج تعليمية.

 يمثل الجبل أكثر من مجرد معلم سياحي؛ إنه رمز للقدرة الأمريكية على تحقيق المستحيل، والتفاني في المثل العليا للديمقراطية، وتكريمًا لأولئك الذين قادوا الأمة خلال فترات حاسمة.

التحديات والجدل:

لم يكن مشروع جبل راشمور خاليًا من الجدل. فقد أثار اختيار موقع النحت في تلال بلاك هيلز، التي تُعد أراضي مقدسة لقبائل لاكوتا سيو، استياءً كبيرًا. 

كانت هذه الأراضي قد وعدت لهم بموجب معاهدات لم يتم الوفاء بها من قبل الحكومة الأمريكية. 



يرى العديد من الأمريكيين الأصليين أن جبل راشمور يمثل انتهاكًا لأرضهم المقدسة ورمزًا للاستعمار.

على الرغم من هذه الجدالات، يظل جبل راشمور نصبًا تذكاريًا قويًا ومهيبًا، يشهد على الطموح البشري، والبراعة الفنية، وتاريخ أمة عظيمة. 

إنه يذكرنا بالرؤساء الذين قادوا أمريكا، وبالقيم التي بنيت عليها، وبالتحديات التي واجهتها وواجهتها.


..................................

تعليقات